فتح مكة نقطة فاصلة في التاريخي الإسلامي.. فهو اليوم الذي أعلن فيه
التوحيد وهدم الشرك وأزيلت الأصنام.. واليوم الذي رفعت فيه راية العفو
والتسامح..فعندما فتح النبي صلوات الله عليه وسلم مكة التي لاقي من أهلها
أشد العذاب هو وأصحابه لم يقتص منهم ولم يسل الدماء.. ولكنه عفا
وتجاوز عن أهلها.. ففتح مكة دعوة للعفو والتسامح. وعنها يقول
الشيخ عماد مالك إمام وخطيب بالأوقاف: إن المسلمين ليحتاجون إلي التسامح
في حياتهم أكثر مما يحتاجون إلي الطعام والشراب. ويجب علي المسلم
أن يتأسي بنبيه صلوات الله عليه وسلم ويتحلي بخلق العفو والتسامح..
فالمسلم يجب أن يكون سمح في المعاملة.. سمح في البيع والشراء.. سمح مع
زوجته وأولاده وجيرانه ومع كل المسلمين.. وأن يغض الطرف عن مساوئ أخيه
ويغفر له زلاته ويعفو أو يصفح.وقد قال ربنا تعالي:( وإن تعفوا
وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم).. ويجب أن يتخذ المسلم من موقف
النبي صلي الله عليه وسلم من أعدائه عندما فتح مكة منهج حياة.. فلقد دخل
النبي صلي الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو مطأطأ رأسه متواضعا لله حين رأي
ما أكرمه الله به من الفتح.. حتي أن ذقنه ليكاد يمس واسطة الرحل.. ودخل
وهو يقرأ سورة الفتح مستشعرا بنعمة الفتح وغفران الذنوب والنصر العزيز..
وحينما دخل النبي صلي الله عليه وسلم فاتحا منتصرا عزيزا معه عشر ألاف من
الجنود. ورغم كل ما فعلوه بأصحابه من أذي ومن نهب ديارهم إلا أنه
قد بلغ من تسامح النبي صلي الله عليه وسلم أن يعفوا عنهم وأن يجعلهم
أمنين.. فأرسل النبي صلي الله عليه وسلم يعلن فيهم من دخل دار أبي سفيان
فهو آمن ومن ألقي السلاح فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن).. فهل ينظر
المسلم منا إلي هذه الرحمة المهداة ويتأسي بنبيه ويتسامح مع أخيه المسلم
ويعفوا عن زلاته ويحسن إلي من أساء إليه ويعطي من حرمه.. تلكم هي مكارم
الأخلاق التي بعث بها النبي صلي الله عليه وسلم.ويضيف: لسماحة
النفس عند المسلم مظاهر عديدة منها طلاقة الوجه واستقبال الناس بالبشر
فالإنسان المتسامح لا يعبس في وجه أحد بل يراه الناس ضاحكا مبتسما في
وجوههم لأنه لا يكن لهم أي غل أو حقد أو حسد في صدره وتلك منزلة يرفع الله
به الدرجات ويزكي بها الأعمال ومنها مبادرة الناس بالتحية والسلام
والمصافحة وحسن الحديث لأن من كان سمح النفس بادر إلي ذلك فالمؤمن يألف
ويألف يسامح من اعتدي عليه بالكلام أو الإيذاء أو السب أو غير ذلك فلا يغلق
علي نفسه ولا يكون بعيدا عن الناس. قال صلي الله عليه وسلم:( إن
أحبكم إلي أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون)
ومن مظاهر التسامح حسن المصاحبة والمعاشرة والتساهل في البيع والشراء.وأوضح
أن من الأسباب التي تعين علي التخلق بخلق العفو والتسامح التأمل في
الترغيبات التي رغب الله بها من يتحلي بهذا الخلق وعظم أجره عند الله
فحينما يتسامح المسلم ويعفو عن أخيه ويتجاوز عن زلاته فإن الله عز وجل
يتجاوز عنه قال صلي الله عليه وسلم:( ألا أخبركم بمن يحرم علي النار أو
بمن تحرم عليه النار علي كل قريب هين سهل) ويعلم أنها صفة ملازمة للمؤمنين
في حياتهم كما قال ربنا تبارك وتعالي:( محمد رسول الله والذين معه أشداء
علي الكفار رحماء بينهم). كما أن المسلم إذا فرج عن أخيه إذا كان
معسرا أ وتجاوز عن دينه وعن حقه تجاوز الله عنه يوم القيامة فانظر إلي
حينئذ إلي عظم الأجر من الله قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:( حوسب
رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان يخالط الناس وكان
موسرا وكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر.. قال الله تعالي نحن أحق
بذلك تجاوزوا عنه).. ولابد أن يتأمل المسلم في هذه التحذيرات أيضا لمن لا
يعاملون الناس بالحسني ولمن لا يتجاوزون عن الناس.