أهمية التدين وحاجة البشرية إليه
-----------------------------------------
يكتسب
التدين أهميته من كونه فطرة فطر الله عباده عليها ، وركزها في نفوسهم ،
فما من أحد من العالمين إلا ويجد ذلك من نفسه ،بحيث لا يستطيع العيش بدونه
إلا مع حرج وضنك ، وحاجة الإنسان إلى التدين أعظم من حاجته إلى الطعام
والشراب . ويكتسب التدين أهميته أيضا بالنظر إلى آثاره الإيجابية، على
الفرد والجماعة على حد سواء .
وقد تضافرت الدلائل الشرعية والحسية على أن التدين فطرة فطر الله الناس
عليها ، فمن أدلة الكتاب قول الحق سبحانه : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ
بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى
أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ
تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ }
(الأعراف:172) قال جمع من المفسرين في معنى الآية : إن الله أخرج ذرية آدم
من صلبه ، وأمرهم بعبادته وأخذ عليهم الميثاق بذلك ، فهم وإن نسوا قصة
أخذه إلا أن حقيقته باقية في نفوسهم ، وهي ما يعبر عنه القرآن بالفطرة ،
كقوله سبحانه : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ
الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ
الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ }
(الروم:30) ومن أدلة السنة ما ثبت في " الصحيحين " عن أبي هريرة عن رسول
الله [وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة] أنه قال : ( كل مولود يولد على الفطرة ) وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار [وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة] أن رسول الله [وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
قال : ( قال الله : .. إني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنهم أتتهم الشياطين
فاجتالتهم عن دينهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا ) .
ومعنى " الفطرة " في الآية وفي حديث أبي هريرة هو التوحيد ، ومعنى "
الحنفاء " في حديث عياض [وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
: أي المائلين عن الشرك إلى التوحيد ، فقد اتفقت أدلة الكتاب والسنة على
أن التدين جِبِلَّةٌ إنسانية خُلقت مع الإنسان ووجدت بوجوده ، إلا أن
تنشئة الإنسان وتربيته - إن كانت على خلاف منهج الله وشرعه - تؤثر سلبا
على جبلة التدين وتنحرف بها عن مسارها الصحيح .
أما الشواهد الحسية على ذلك ، فنلمسها من خلال : حاجة الإنسان إلى قوانين
وأخلاق تنظم حياته ، وتضبط سلوكه ، ليتميز بذلك عن سائر الحيوان، فإن
الناس إما أن يعيشوا من غير دين ينظم حياتهم ، ويضبط سلوكهم، وإما أن
يتخذوا لهم من يشرّع لهم دينا ، وإما أن يكونوا على الدين الحق الذي جاءهم
بالبينات والهدى ، فيكونوا بذلك على وفاق مع فطرتهم التي فطروا عليها ،
فتنتظم أمور حياتهم خير انتظام ، فإن اختاروا الأول عاشوا في بهيمية نكراء
يأكل الضعيف منهم القوي ، وكان اختلافهم عن سائر الحيوان بالشكل والصورة
فحسب ، وإن اختاروا الثاني فقد اختاروا العبودية لطائفة من البشر ، تتسلط
عليهم، وتذيقهم من ظلمها سوء العذاب ، فلم يبق إلا أن يحتكموا إلى الدين
الحق ليأخذوا منه شرائعهم ، ويبين لهم ما يحل لهم فيأتوه ، وما يحرم عليهم
فيجتنبوه ، وهنا تكمن قمة السعادة ، ولا سعادة حقيقية للإنسان - أي إنسان
- إلا باتباع الدين الذي ارتضاه الله لعباده بقوله : { إِنَّ الدِّينَ
عِنْدَ اللَّهِ الإسْلام } (آل عمران: 19) فهو سبب فوزه وسعادته في الدنيا
والآخرة ، وفي الإعراض عنه خسران الدنيا والآخرة ، قال تعالى : { وَمَنْ
يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي
الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } (آل عمران:85) .
ومن الأمور الحسية التي تدل على أن التدين ضرورة إنسانية ، ما يحسه
الإنسان في نفسه من ضعف أمام بعض مظاهر الكون ، كالرياح العاتية ، والبحار
الهائجة ، والزلازل ، والبراكين ، فإن الإنسان مهما عظمت قوته ، وعظم
ذكاؤه ، فإنه يبقى ضعيفا أمام هذه الظواهر التي ابتلى الله بها عباده ،
فيعلم الإنسان من نفسه أن لا قدرة له على دفعها ، أو الاحتراز منها ، فمن
هنا عظمت حاجة الإنسان إلى إله يلجأ إليه ويتوكل عليه . وقد دأب البشر منذ
القدم على تلمس الآلهة لتحميهم من هذه الظواهر ولتدفع عنهم شرها ، فعبد
قوم الشمس ظنا منهم أنها الأقوى ، وعبد آخرون القمر،كما قال تعالى : {
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ
وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ
اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } (يونس:18) وقال أيضا : {
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ
السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ } (النحل:73) وهكذا
تنقل الإنسان بين مظاهر الطبيعة يعبد بعضها خوفا من البعض الآخر . ولعل
مما يدل على هذه الحقيقة - حقيقة حاجة النفس البشرية إلى إله يحميها ويدفع
الشر عنها - قوله تعالى : { وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ
ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ
أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإنسان كَفُوراً } (الإسراء:67) فهؤلاء قوم مشركون
، عاينوا الأهوال والمحن ، فانكشفت عنهم شبه الضلال ، وتساقطت آلهة الزيف
، وتجلت في نفوسهم حقيقة الإله الحق ، فتقربوا إليه ، وسألوه النجاة
والرحمة .
وينضم إلى تلك الدلائل الشرعية والحسية ، في تقرير هذه القضية ما نشهده
واقعاً من الحياة التعيسة التي يحياها الملحدون ، فهم وإن تنعموا بملذات
الدنيا ونعيمها إلا أنهم فقدوا أغلى ما فيها وهو الإيمان بالله عز وجل ،
فهم يتقلبون في ظلمات الشك وبحار التيه النفسي ، ما يدفع بالكثيرين منهم
إلى التخلص من حياتهم - رغم بذخ عيشهم - وذلك بسبب ما يعيشونه من خواء
روحي مرير ، يجعل من الحياة - مهما توفرت لهم فيها سبل الراحة - أمرا لا
يطاق ، وصدق الله إذ يقول : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ
مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ( 124 )
قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرا ً(125) قَالَ
كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى }
( طه : 124 - 126 ) .
وبهذا يتضح لك - أخي الكريم - مدى التضافر والتآزر بين الأدلة الشرعية
والنفسية والحسية على أهمية التدين في حياة الإنسان ، والأمر إذا عظم
شأنه، كثرت أدلته ، وظهرت حججه ، واستعصت أن يدفعها دافع ، أو ينازع فيها
منازع ، إمعانا في إقامة الحجة على العباد ، وصدق الله العظيم إذ يقول : {
وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا
يَعْلَمُونَ } (يوسف: 21)