جهالته كما صرح بذلك ابن عباس فيما قال ابن جرير حدثنا محمد بن بشار حدثنا مؤمل حدثنا سفيان عن أبي الزناد قال : قال ابن عباس التفسير على أربعة أوجه ، وجه تعرفه العرب من كلامها ، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته ، وتفسير يعلمه العلماء ، وتفسير لا يعلمه أحد إلا الله . قال ابن جرير : وقد روى نحوه في حديث في إسناده نظر ، حدثني يونس بن عبد الاعلى الصدفى أنبانا ابن وهب سمعت عمرو بن الحرث يحدث عن الكلبي عن أبي صالح مولى أم هانئ عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أنزل القرآن على أربعة أحرف حلال وحرام - لا يعذر أحد بالجهالة به ، وتفسير تفسره العرب ، وتفسير العلماء ، ومتشابه لا يعلمه إلا الله عز وجل ، ومن ادعى علمه سوى الله / صفحة 8 / فهو كاذب " والنظر الذي أشار إليه في اسناده هو من جهة محمد بن السائب الكلبي فإنه متروك الحديث لكن قد يكون إنما وهم في رفعه ، ولعله من كلام ابن عباس كما تقدم والله أعلم . ( مقدمة مفيدة تذكر في أول التفسير قبل الفاتحة ) قال أبو بكر بن الانباري حدثنا اسماعيل بن اسحق القاضي حدثنا حجاج بن منهال حدثنا همام عن قتادة قال : نزل في المدينة من القران البقرة وآل عمران والنساء والمائدة وبراءة والرعد والنحل والحج والنور والاحزاب ومحمد والفتح والحجرات والرحمن والحديد والمجادلة والحشر والممتحنة والصف والجمعة والمافقون والتغابن والطلاق و ( يا أيها النبي لم تحرم ) إلى راس العشر وإذا زلزلت ( وإذا جاء نصر الله ) هؤلاء السور نزلت بالمدينة وسائر السور بمكة . فأما عدد آيات القران العظيم فستة الافا آية ثم اختلف فيما زاد على ذلك على أقوال : فمنهم من لم يزد على ذلك ، ومنهم من قال ومائتي آية وأربع آيات ، وقيل وأربع عشرة آية ، وقيل ومائتان وتسع عشرة آية ، وقيل ومائتان وخمس وعشرون آية ، أو ست وعشرون آية ، وقيل ومائتان وست وثلاثون ، حكى ذلك أبو عمرو الداني في كتابه البيان . وأما كلماته فقال الفضل بن شاذان عن عطاء بن يسار سبع وسبعون ألف كلمة وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة . وأما حروفه فقال عبد الله بن كثير عن مجاهد هذا ام أحصينا من القرآن وهو ثلثمائة ألف حرف وأحد وعشرون ألف حرف ومائة وثمانون حرفا . وقال الفضل بن عطاء بن يسار ثلثمائة ألف حرف وثلاثة وعشرون ألف وخمس عشر حرفا . وقال سلام أبو محمد الحماني : إن الحجاج جمع القراء والحافظ والكتاب فقال : أخبروني عن القرآن كله كم من حرف هو ؟ قال : فحسبنا فأجمعوا أنه ثلثمائة ألف وأربعون ألفا وسبعمائة وأربعون حرفا قال : فأخبروني عن نصفه فإذا هو إلى الفاء من قوله في الكفه ( وليتلطف ) وثلثه الاول عند راس مائة آية من براءة والثاني على رأس مائة أو إحدى ومائة من الشعراء ، والثالث إلى آخره ، وسبعة الاولى إلى الدال من قوله تعالى : ( فمنهم من آمن به ومنهم من صد ) والسبع الثاني إلى التاء من قوله تعالى في سورة الاعراف ( أولئك حبطت ) والثالث إلى الالف الثانية من قوله تعالى في الرعد ( أكلها ) والرابع إلى الالف في الحج من قوله ( جعلنا منسكا ) والخامس إلى الهاء من قوله في الاحزاب ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة ) والسادس إلى الواو من قوله تعالى في الفتح ( الظانين بالله ظن السوء ) والسابع إلى آخر القرآن . قال سلام أبو محمد علمنا ذلك في أربعة أشهر ، قالوا وكان الحجاج يقرأ في كل ليلة ربع القران ، فالاول إلى آخر الانعام والثاني إلى ( وليتلطف ) من سورة الكهف ، والثالث إلى آخر الزمر ، والرابع الى آخر القران . وقد حكى الشيخ أبو عمرو الداني في كتابه ( البيان ) خلافا في هذا كله فالله أعلم . وأما ( التحزيب والتجزئة ) فقد اشتهرت الاجزاء من ثلاثين كما في الرابعات بالمدارس وغيرها وقد ذكرنا فيما تقدم الحديث الوارد في تحزيب الصحابة للقران والحديث في مسند الامام أحمد وسنن أبي داود وابن ماجه وغيرهم عن أوس بن حذيفة أنه سال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته كيف تحزبون القران ؟ قالوا ثلث وخمس وسبع وتسع وأحد عشرة وثلاث عشرة وحزب المفصل حتى تختم . ( فصل ) واختلف في معنى السورة مما هي مشتقة فقيل من الابانة والارتقاع قال النابغة . ألم تر أن الله أعطاك سورة * ترى كل ملك دونها يتذبذب فكان القارئ ينتقل بها من منزلة الى منزلة . وقيل لشرفها وارتفاعها كسور البلدان وقيل سميت سورة لكونها قطعة من القران وجزءا منه ماخوذ من أسار الاناء وهو البقية ، وعلى هذا فيكون أصلها مهموزا ، وانما خففت الهمزة فابدلت الهمزة واوا لانضمام ما قبلها وقيل لتمامها وكما لها لان العرب يسمون الناقة التامة سورة ( قلت ) ويحتمل ان يكون من الجمع والاحاطة لاياتها كما يسمى سور البلد لاحاطته بمنازله ودوره . وجمع السورة سور بفتح الواو وقد يجمع / صفحة 9 / على سورات وسوارات ، وأما الاية فمن العلامة على انقطاع الكلام الذي قبلها عن الذي بعدها وانفصالهما أي هي
بائنة عن أختها ومنفردة قال الله تعالى : ( إن آية ملكه ) وقال النابغة : توهمت آيات لها فعرفتها * لستة أعوام وذا العام سابع وقيل لانها جماعة حروف من القران وطائفة منه كما يقال خرج القوم بآياتهم أي بجماعاتهم قال الشاعر : خرجنا من النقبين لا حي مثلنا * بايتنا نزجي اللقاح المطافلا وقيل سميت آية لانها عجب يعجز البشر عن التكلم بمثلها قال سيبويه وأصلها ابية مثل أكمة وشرجة تحركت الياء وانفتح ما قبله فقلبت ألفا فصارت آية بهمزة بعدها مدة وقال الكسائي أصلها آيية على وزن آمنة فقلبت ألفا ثم حذفت لالتباسها وقال الفراء أصلها أيية فقلبت الفا كراهية التشديد فصارت آية وجمعها آي وآياي وآيات . وأما الكلمة فهي اللفظ الواحدة وقد تكون على حرفين مثل ما ولا ونحو ذلك . وقد تكون أكثر ما تكون عشرة أحرف مثل ( ليستخلفنهم - و - أنلزمكموها - فاسقيناكموه ) . وقد تكون الكلمة الواحدة آية مثل ( والفجر - والضحى - والعصر ) وكذلك ( الم - وطه - ويس - و - حم ) في قول الكوفيين و ( حم عسق ) عندهم كلمتان وغيرهم ، يسمى هذه آيات بل يقول هذه فواتح السور وقال أبو عمرو الداني لا أعلم كلمة هي وحدها آية إلا قوله تعالى ( مدهامتان ) بسورة الرحمن . ( فصل ) قال القرطبي أجمعوا على أنه ليس في القران شئ من التراكيب الاعجمية ، وأجمعوا أن فيه أعلاما من الاعجمية كإبراهيم ونوح ولوط واختلفوا هل فيه شئ من غير ذلك بالاعجمية ؟ فانكر ذلك الباقلاني والطبري وقالا ما وقع فيه مما يوافق الاعجمية فهو من باب ما توافقت فيه اللغات .
سورة الفاتحة
** بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ
يقال لها الفاتحة أي فاتحة الكتاب خطاً وبها تفتتح القراءة في الصلوات, ويقال لها أيضاً أم الكتاب عند الجمهور, ذكره أنس, والحسن وابن سيرين كرها تسميتها بذلك, قال الحسن وابن سيرين إنما ذلك اللوح المحفوظ, وقال الحسن الاَيات المحكمات هن أم الكتاب ولذا كرها أيضاً أن يقال لها أم القرآن وقد ثبت في الصحيح عند الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحمد لله رب العالمين أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم» ويقال لها (الحمد) ويقال لها (الصلاة) لقوله صلى الله عليه وسلم عن ربه «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدني عبدي» الحديث. فسميت الفاتحة صلاة لأنها شرط فيها ويقال لها (الشفاء) لما رواه الدارمي عن أبي سعيد مرفوعاً «فاتحة الكتاب شفاء من كل سم» ويقال لها (الرقية) لحديث أبي سعيد في الصحيح حين رقى بها الرجل السليم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «وما يدريك أنها رقية» ؟ وروى الشعبي عن ابن عباس أن سماها (أساس القرآن) قال: وأساسها بسم الله الرحمن الرحيم وسماها سفيان بن عيينه (بالواقية) وسماها يحيى بن أبي كثير (الكافية) لأنها تكفي عما عداها ولا يكفي ما سواها عنها كما جاء في بعض الأحاديث المرسلة «أم القرآن عوض من غيرها وليس من غيرها عوض منها» ويقال لها سورة الصلاة والكنز, ذكرهما الزمخشري في كشافه.
وهي مكية قاله ابن عباس وقتادة وأبو العالية, وقيل مدنية قاله أبو هريرة ومجاهد وعطاء بن يسار والزهري ويقال نزلت مرتين: مرة بمكة ومرة بالمدينة, والأول أشبه لقوله تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني} والله تعالى أعلم. وحكى أبو الليث السمرقندي أن نصفها نزل بمكة ونصفها الاَخر نزل بالمدينة وهو غريب جداً, نقله القرطبي عنه وهي سبع آيات بلا خلاف, وقال عمرو بن عبيد ثمان, وقال حسين الجعفي ستة, وهذان القولان شاذان وإنما اختلفوا في البسملة هل هي آية مستقلة من أولها كما هو عند جمهور قراء الكوفة وقول جماعة من الصحابة والتابعين وخلق من الخلف أو بعض آية أو لا تعد من أولها بالكلية كما هو قول أهل المدينة من القراء والفقهاء على ثلاثة أقوال كما سيأتي تقريرها في موضعه إن شاء الله تعالى وبه الثقة.
قالوا وكلماتها خمس وعشرون كلمة وحروفها مائة وثلاثة عشر حرفاً. قال البخاري في أول كتاب التفسير وسميت أم الكتاب لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف ويبدأ بقراءتها في الصلاة, وقيل: إنما سميت بذلك لرجوع معاني القرآن كله إلى ما تضمنته. قال ابن جرير: والعرب تسمي كل جامع أمرأو مقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه هو لها إمام جامع: أمّاً, فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ أم الرأس ويسمون لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها أمّاً, واستشهد بقول ذي الرمة.