عدد الرسائل : 1684العمر : 47رقم العضويه : 369دعاء : اعلام بلدك : الهوايه : الوظيفه : نقاط : 1909السٌّمعَة : 1تاريخ التسجيل : 22/06/2009
موضوع: محبة النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة مارس 19, 2010 9:51 am
محبة النبي صلى الله عليه وسلم
الدكتور علي بن عمر بادحدح
المحتويات : • مقدمة . • مفهوم المحبة . • حكم المحب . • دواعي هذه المحبة . • مظاهر المحبةوعلاماتها . • الأسباب الجالبة لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم . • مواقفالمحبين . • ثمار المحبة . • محبة النبي صلى الله عليه وسلم بين الغلووالجفاء .
ahmed fawzy المراقبه العامه
عدد الرسائل : 1684العمر : 47رقم العضويه : 369دعاء : اعلام بلدك : الهوايه : الوظيفه : نقاط : 1909السٌّمعَة : 1تاريخ التسجيل : 22/06/2009
موضوع: رد: محبة النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة مارس 19, 2010 9:53 am
مقدمة الحديث عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - منزلة رفيعة ، والحديث عن محبته - عليه الصلاة والسلام - متعة عظيمة ! أما الألسنة فتترطب بذكره ، والصلاة عليه صلىالله عليه وسلم ، وأما الآذن فتتشنف بسماع سيرته وهديه وحديثه عليه الصلاة والسلام، وأما العقول فتخضع لما ثبت من الحكم والسنة التي جاء بها عليه الصلاة والسلام ،وأما الجوارح والأعضاء فتنتفع وتتمتع بموافقة هديه وفعله وحاله صلى الله عليه وسلم ..
حياتنا مرتبطة بهدية وسيرته وسنته عليهالصلاة والسلام ، وما عسى أن يكون الحديث عن محبته صلى الله عليه وسلم ! وهل يمكنأن يوفى مثل هذا الموضوع حقه في سويعاتٍ من الزمان أو في بضع محاضراتٍ وإن كثرت ؛فإن حقّه وقدره ومقامه والواجب له عليه الصلاة والسلام أعظم من ذلك كله .ولكن حسبنا - أيها الاخوة الأحبة - أن يكون لنا في مثل الأوقات ما يحيي قلوبنا ، وينشط عزائمنا ، ويقوي هممنا ، ويبعث نشاطنا ، ويحرك مشاعرنا ، ويؤجج عواطفنا ؛ لترتبط ارتباطً أوثق ، ونتبع اتباعاً أكمل رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ؛ لننال خير الدنيا والآخرة ، وفلاح الدنيا ونجاة الآخرة بإذن الله عز وجل . وكما قلت عندما نظرت في هذا الموضوع رأيته كمحيطٍ متلاطم الأمواج قعره عميق ، ودرره كثيرة وعظيمة ، فعسى أن نقتبس شيئاً من ذلك وننتفع به بعون الله سبحانه وتعالى .
وقفات نبدأها بمفهوم ومعنى محبة المصطفى - عليه الصلاة والسلام - ونعرج من بعد على حكم هذه المحبة ، ثم نقف مع دواعيها التي تحث عليها وتقرب إليها ، ثم نتوقف عند الأسباب التي تجلب تلك المحبة ؛ لنخلص منها إلى الصور والمظاهر التي تبديها لنا وتكشف لنا في واقع مشاعرنا وكلماتنا وأفعالنا ، ثم وقفة قبل الختام في ثمار هذه المحبة وخيراتها وآثارها ؛ للننتهي إلى المحبة بين الغلو والجفاء . ولعلنا نستطيع أن نلمّ بذلك - وإن كان في الأمر عسر - فهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال القائل : أبر بني الدنيا وأعظم من شكر **** وأكرم مخلوقٍ على سائر البشر به الله قد أهدى إلى الناس رحمةً **** ومنه ضياء الحق في الكون قد ظهر تبارك ربي إذ أعد محمداً **** وزكّاه بالتقوى وبالعلم والخبر فباتوا اعتقاد الحق من أخلاقه **** وخير عباد الله أقدر من صبر جهيراً بأمر الله يدعوا مبشراً **** وينصح من لاقاه بلأي والنذر حلي بإصلاح الفساد ومرشداً **** إلى سبل الخيرات في البدو والحضر دعا الناس للتوحيد والحب والوفا **** وجاد بالحسنى وأقنع بالأثر ذر الهمة القعساء بعض صفاته **** وأقدم مقدامٍ وأحلم من قدر رعاه إله الكون خير رعايةٍ **** فأنبت نبتاً طيب الأصل والثمر
ahmed fawzy المراقبه العامه
عدد الرسائل : 1684العمر : 47رقم العضويه : 369دعاء : اعلام بلدك : الهوايه : الوظيفه : نقاط : 1909السٌّمعَة : 1تاريخ التسجيل : 22/06/2009
موضوع: رد: محبة النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة مارس 19, 2010 9:54 am
مفهوم المحبة : المحبة في مفهوم العرب يعرفونها بضدها ؛ لوضوحهاوجلائها ؛ فإن ذهبت إلى جلّ المعاجم وجدتهم يقولون : " المحبة ضد الكره والبغض ،وأحبه أي : أوده " . وشخّص بعضهم هذا المعنى تشخيصاً أوسع ، فقال : أحببتفلاناً في الأصل ، بمعنى أصبت حبة قلبه أي : نحو شغاف قلبه وكبد قلبه وفؤاده " .
والمقصود أن المشاعر تتسلل في هذه الموافقةوالمجانسة والميل إلى أعماق الفؤاد ، وسويداء القلب فتصيب حبته - أي جوهره وأصله - ومكمنه ، فتكون حينئذٍ ليست عرضاً ظاهراً ولا صوراً جوفاء ، بل حقيقة تنبض بهاخفقات القلب ، وتظهر في مشاعر النفس ، بل تبدو في بريق العين ، وفي قسمات الوجه ،وفي ابتسامة الثغر ، وفي حسن الثناء لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فهذهالمحبة كما قال ابن القيم بعض – رحمه الله - في مقالة جميلة ، ووافقه ابن حجر قال : " المحبة لا تحد - أي لا يذكر لها تعريف - إذ هي أمر ينبعث بنفس يصعب التعبير عنه " . ولعمري هو كلام دقيق ، فهل تستطيع أن تقول إني أحب فلاناً عشرة كيلو ، وهذاعشرين كيلو .. كلا ! لا تستطيع ، وهل تستطيع أن تكتشف للحب سبباً ؟ بعض الناس تلقاهفترة ، فكأن فؤادك قد مالَ إليه ، وقلبك قد هفا له ، وبعض الناس قد تعاشره دهراًوما يزال في قلبك انقباض عنه ، وفي نفسك وحشةً منه ! والقلوب بين إصبعين من أصابعالرحمن يقلبها كيف يشاء .
فالمحبة سرٌ عظيم ، هو من أعظم ما تتجلى بهعظمة خلق الله في هذا الإنسان .. ما بين غمضة عين وانتباهتها **** يبدل الله منحالٍ إلى حال فكم من محبوبٍ لكلمةٍ أو لموقفٍ ربما تغير القلب عليه ، ونفرتالنفس منه ، ولذلك هذه العواطف والمشاعر لا تضبط بهذه الكلمات والتعريفات وإن كانقد ذكر العلماء للمحبة تعريفات اصطلاحيةً كثيرة . من ذلك ما قاله القاضي عياض – رحمه الله - في شفائه عندما قال : " المحبة الميل إلى ما يوافق المحبوب " ، عندماتوافقه وتجالسه وتميل إليه وتتبعه ، فذلك دليل محبة ، لكن لو وقفنا لوجدنا أن هذاالتعريف ليس تعريف للمحبة ، بل هو وصفٌ لأثرها ؛ فالمحبة انبعثت في القلب فمالالإنسان إلى من يحبه ووافقه ، وهذا أمره واضح وبيّن .
ثم المحبة - أحبتيالكرام - لها جوانب منها محبة الاستلذاذ بالإدراك ، كحب الصور الجميلة والمناظروالأطعمة والأشربة .. تلك محبة فطرية ، أو تكون محبة بإدراك العقل ، وتلك المحبةالمعنوية التي تكون لمحبة الخصال الشريفة ، والأخلاق الفاضلة ، والمواقف الحسنة .
وهناك محبة تكون كذلك لمن أحسن إليك ، ولمنقدم لك معروفاً ، فتنبعث المحبة حينئذٍ ؛ لتكون ضرباً من ضروب الحمد والشكر ،فينبعث الثناء بعد ذلك ترجمة لها وتوضيحاً لمعانيها . قال الإمام النووي - رحمهالله - في كلمةٍ ضافيةٍ جميلة ، قال : وهذه المعاني كلها موجودة في النبي - صلىالله عليه وسلم - لما جمع من جمال الظاهر والباطن ، وكمال الجلال ، وأنواع الفضائلوإحسانه إلى جميع المسلمين بهدايته إياه إلى الصراط المستقيم ، ودوام النعموالإبعاد من الجحيم . فإن نظرت إلى وصف هيئته - صلى الله عليه وسلم - فجمال مابعده جمال ، وإن نظرت إلى أخلاقه وخلاله ، فكمال ما بعده كمال ، وإن نظرت إلىإحسانه وفضله على الناس جميع وعلى المسلمين خصوصاً فوفاء ما بعده وفاء .
فمن هنا تعظم محبته - صلى الله عليه وسلم - ويستولي في المحبة على كل صورها وأعظم مراتبها ، وأعلى درجاتها ، فهو - صلى اللهعليه وسلم - الحري بأن تنبعث محبة القلوب ، والنفوس له في كل لحظةٍ وثانيةٍ وحركةٍوسكنةٍ وقولٍ وصمتٍ ، وفي كل تقلبات حياتنا ، ولذلك ينبغي أن ندرك عظمة هذه المحبة، ويقول ابن تيميه: " وليس للخلق محبةً أعظم ولا أتم من محبة المؤمنين لربهم ، وليسفي الوجود ما يستحق أن يحب لذاته من كل وجهٍ إلا الله تعالى ، وكل ما أحب سواهفمحبته تبعٌ لحبه ؛ فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما يحب لأجل الله ويطاعلأجل الله ويتبع لأجل الله ".
وذلك ما سنفيض القول فيه في بعض تلك الأحوال، وحسبي أن أعرّج على هذه المعاني، وهنا وقفة نتمم بها هذا ، فنحن نتعلق ونرتبطبرسول الله صلى الله عليه وسلم من جوانب شتى ، في جانب العقل معرفةً وعلماً، نقرأونحفظ سيرته وحديثه وهديه وسنته ، والواجب منها والمندوب منها ونحو ذلك ، ومحبةًبالقلب ، وهي عاطفة مشبوبة ، ومشاعر جياشة ، ومحبة متدفقة ، وميلٌ عاصف تتعلق بهالنفس والقلب برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لما فيه من المعاني الحسية والمعنوية . ثم محبة بالجوارح تترجم فيها المحبة إلى الاتباع لسنته وعمله وفعله عليهالصلاة والسلام ، فلا يمكن أن نقول إن المحبة إتباعٌ فحسب ! فأين مشاعر القلب ؟ ولايصلح أن نقول إنها الحب والعاطفة الجياشة فأين صدق الإتباع ؟ ولا ينفع هذا وهذا ! فأين المعرفة والعلم التي يؤسس بها من فقه سيرته وهديه وأحواله عليه الصلاة والسلام . لذا فنحن نرتبط في هذه المحبة بالقلب والنفس ، وبالعقل والفكر ، وبسائرالجوارح والأحوال والأعمال فتكمل حينئذٍ المحبة ؛ لتكون هي المحبة الصادقة الخالصةالحقيقية العملية الباطنية ، فتكتمل من كل جوانبها ؛ لنؤدي بعض حق رسول الله صلىالله عليه وسلم علينا .
ahmed fawzy المراقبه العامه
عدد الرسائل : 1684العمر : 47رقم العضويه : 369دعاء : اعلام بلدك : الهوايه : الوظيفه : نقاط : 1909السٌّمعَة : 1تاريخ التسجيل : 22/06/2009
موضوع: رد: محبة النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة مارس 19, 2010 9:54 am
حكم المحبة وأنتقل إلى النقطة الثانية : حكم المحبة ما عسى أن يكون حكم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الوجوب ! فهي واجبة على كل مسلمٍ قطعاً ويقيناً ، والأدلة على ثبوت وجوبها كثيرة ، ومن ذلكقول الله - سبحانه وتعالى - الذي جمع فيه في آيةٍ واحدة كل محبوبات الدنيا ، وكلمتعلقات القلوب ، وكل مطامع النفوس ووضعها في كفةٍ ، وحب الله وحب رسوله في كفةٍ ،قال تعالى : { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْوَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌتَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِوَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُبِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } .
قال القاضي عياض رحمه الله : فكفى بهذا حضوتنبيه ودلالة وحجة على إلزام محبته ، ووجوب فرضها وعظم خطرها ، واستحقاقه لها صلىالله عليه وسلم ، إذ فرع الله من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسولهوتوعدهم بقوله : { فتربصوا حتى يأتي الله بأمره } ، ثم فسقهم بتمام الآية فقال : { فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين } ، وأعلمهم أنه ممن ضلولم يهده الله عز وجل " . فهذه آيةً عظيمة تبين أهمية ووجوب هذه المحبة .
ويأتينا كذلك دليلاً آخر وهو عظيم وموجزوبليغ في قول الحق جل وعلا : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } ،ويبين ابن القيم - رحمه الله - الدلالة على وجوب المحبة في هذه الآية من وجوهٍكثيرة ضمنها أمرين اثنين . الأول : أن يكون أحب إلى العبد من نفسه ؛ لأنالأولوية أصلها الحب ونفس العبد أحب إليه من غيره ، ومع هذا يجب أن يكون الرسول صلىالله عليه وسلم أولى به منها - أي أولى به من نفسه وأحب إليه من نفسه - فبذلك يحصلله اسم الإيمان ، ويلزم من هذه الأولوية والمحبة كمال الانقياد والطاعة والرضىوالتسليم ، وسائر لوازم المحبة من الرضى بحكمه ، والتسليم لأمره وإيثاره على ماسواه .
وأما الجانب الثاني : أن لا يكون للعبد حكمعلى نفسه أصلاً ، بل الحكم على نفسه لرسول صلى الله عليه وسلم ، يحكم عليه أعظم منحكم السيد على عبده ، أو الوالد على ولده فليس له في نفسه تصرف إلا ما تصرف فيهالرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو أولى به من نفسه ، أي بما جاء به عن الله عزوجل ، وبلغهم من آياته وأقامه ونشره من سنته صلى الله عليه وسلم .
والآياتفي هذا كثيرة - أحبتي الكرام - والإيجاز هو مقصدنا في هذا ؛ وإلا فإن قوله سبحانهوتعالى : { قال إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } هو كذلك من هذه الأدلةالعظيمة الشاهدة على وجوه محبة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ إذ لا نزاع في أن محبةالله واجبة ، وأن أتباع النبي ومحبته طريق إلى محبة الله كما سيأتي ( من أحبني فقدأحب الله ) كما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم .
وكما قلنا الآيات تكثر منأن تحصر في هذا المقام ، وأما أحاديثه صلى الله عليه وسلم فصريحة جلية واضحة فيالدلالة على وجوب هذه المحبة ، ومن ذلك الحديث المشهور المأثور الصحيح من حديث أنسٍ - رضي الله عنه - أخرجه البخاري قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمنأحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وأهله ووالده وولده والناس أجمعين ) .
وكلنا يعرف الحديث الصحيح المشهور في قصةالفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قال عمر : يا رسول الله لأنت أحب إلي من كلشيءٍ إلا من نفسي ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا والذي نفسي بيده حتى أكونأحب إليك من نفسك ) فقال عمر : فإنه الآن - والله - لأنت أحب إلي من نفسي ، فقالعليه الصلاة والسلام : ( الآن يا عمر ) . ولم يكن قول عمر الأول أنه ليس محباًلرسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من نفسه ، إنما أخبر عن مقتضى الأصل الطبعي فيالإنسان أن أحب شيءٍ إليه نفسه ، فلما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالمصطلحالإيماني أقرّ عمر بأنه بالمعنى الإيماني يفضل النبي ويحب النبي صلى الله عليه وسلمأكثر من نفسه ، فقال له حينئذٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الآن يا عمر ) ومما يستدل به كذلك من هذه الأحاديث قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أنس رضيالله عنه : ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ) .
ثم إن حبّ الإنسان نفسه طبع ، وحب غيرهاختيار - كما ذكر ذلك الإمام الخطابي - ولذلك عمر جوابه الأول ذكر الطبع ، ثم بعدذلك ذكر الاختيار الذي هو مقتضى الإيمان . ومن هنا ذكر العلماء أن محبة النبيصلى الله عليه وسلم على ضربين : أحدهما فرض ، وهو المحبة التي تقتضي الإيمان بنبوتهوبعثته وتلقي ما جاء به بالمحبة والقبول والرضى والتسليم . ودرجةً ثانية هي : محبة مندوبة ، وهي تقصي أحواله ومتابعة سنته ، والحرص على التزام أقواله وأفعالهقدر المستطاع والجهد والطاقة .
ومن الأدلة كذلك ما ثبت في حديث النبي صلىالله عليه وسلم - وهو المشهور المحفوظ - : ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأنيكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار ) ، وهذه أحاديث كثيرة أخرى ،منها حديث أنس عن الرجل الذي جاء فسأل النبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله متىالساعة ؟ فأعرض عنه النبي عليه الصلاة والسلام ثم عاد إليه فقال : ما أعددت لها ؟قال : حب الله ورسوله ، فقال : ( فإنك مع من أحببت ) . وفي الرواية الأخرى قالأنس : " ما فرحنا بعد الإسلام فرحاً أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنكمع من أحببت ) ، فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكرٍ وعمر فأرجو أن أكون معهم وإن لمأعمل بأعمالهم " .
ومن ذلك أيضاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه - وهو حديث جميل رائع - أخرجه مسلم في صحيحه ، وليس من المشتهر المتداول بين الناسقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أشد أمتي لي حباً ناس يكونون بعدي يودأحدهم لو رأني بأهله وماله ) . وحديث ابن عباسٍ أيضاً ، قال فيه النبي صلى اللهعليه وسلم : ( أحب الله لما يغدوكم به من نعمه وأحبوني بحب الله وأحبوا أهل بيتيبحبي ) . رواه الترمذي في سننه وحسنه ، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وقال : " أي أحب الله لما يغدوكم به من النعم لنعمه الكثيرة عليكم ، وأحبوني بحب الله عز وجلوأحبوا أهل بيتي لحبي " ، فكلنا محب لرسول الله صلى الله عليه وسلم محبة وجوبٍ ،ومحبة اختيارٍ وتعظيمٍ له عليه الصلاة والسلام ، وأمر هذا الوجوب لا يحتاج للأدلة ،ولكننا نريد أن نعظم هذه المحبة في قلوبنا ونحن نرى الآيات التي تتلى إلى قيامالساعة توجب إلى هذه المحبة وتبرزها عظيمةً عاليةً في مقامها ، مقترنةً بمحبة اللهعز وجل ، راجحةً بكل ما تتعلق به القلوب من أنواع المحبة والمحاب الدنيوية في شتىصورها وأنواعها .فلعلنا حينئذٍ ندرك هذا ، وندرك أيضاً عظمة هذا الوجوب عندما ندرك هذه النصوص القاطعة الواضحة في أن محبته ينبغي أن تكون أعظم من محبة النفس التي بين جنبيك ، وأنفاسك التي تتردد ، وقلبك الذي يخفق ، فضلاً عن محبة الزوج والأبناء أو الأمهات والآباء ، فما أعظم هذه المحبة التي هي أعظم محبةٍ لمخلوقٍ من بني آدم في الدنيا ، وفي الخليقة كلها ، وهي التي استحقها سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ووجبت على كل مؤمنٍ مسلمٍ با لله سبحانه وتعالى
ahmed fawzy المراقبه العامه
عدد الرسائل : 1684العمر : 47رقم العضويه : 369دعاء : اعلام بلدك : الهوايه : الوظيفه : نقاط : 1909السٌّمعَة : 1تاريخ التسجيل : 22/06/2009
موضوع: رد: محبة النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة مارس 19, 2010 9:55 am
دواعي هذه المحبة ومعنى ذلك أننا نقول : لماذا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ طبعاً لا نقول هذا السؤال كأننا لا نريد هذه المحبة ! ونسأل لماذا على سبيل عدم الرغبة كلا ! وإنما نريد مرةً أخرى أن نهيج القلوب والمشاعر لهذه المحبة ، وأن نؤكدها ، وأن نحرص على غرسها في سويداء القلوب والنفوس حتى تتحرك بها المشاعر ، وتنصبغ بها الحياة وتكون هي السمت والصبغة التي يكون عليها المسلم في سائر أحواله بإذن الله عز وجل .
أولاً : حب رسول الله صلى الله عليه وسلم تابع لحب الله ونحن نحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه حبيب الله عز وجل فمن أحب الله أحب كل من أحبه الله وأحب كل ما أحبه الله وأعظم محبوب من الخلق لله - عز وجل - هو رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( ولكن صاحبكم خليل الرحمن ) .
يعني نفسه - صلى الله عليه وسلم - والخلة هي أعلى درجات المحبة لماذا قالوا ؟ لأنها تتخلل في القلب وفي كل شيءٍ في هذا الإنسان فيصبح كأن كل خليةٍ منك ، وكأن كل نفسٍ منك ، وكأن كل كلمةٍ منك ، وكأن كل عاطفةٍ منك كلها تخفق بهذه المحبة وتؤكدها ؛ لأنها - كما قلنا - محبة لما أحبه الله عز وجل واصطفاه من بني خلقه جميعاً كما أخبر عليه الصلاة والسلام ، قال : ( فأنا خيارٌ من خيار من خيار ) هو صفوة الله من خلقه أجمعين ، وكما ورد في الحديث الذي صححه أهل العلم ، قال عليه الصلاة والسلام : ( إني من نكاحٍ وليس من سفاح في كل الأصلاب ) . أي منذ الخليقة الأولى حتى من لم يكن مسلماً لو من يكن من أجداده كلهم لم يكن في نسبه ولا في أصله عليه الصلاة والسلام سفاحٌ ، بل نكاح صحيح ، وذلك من طيب محتده ، وعراقة أصله ، وطهارته التي اصطفاه الله عز وجل له لأجلها ، واختارها ووضعها له عليه الصلاة والسلام . وثانياً : لأن الله سبحانه وتعالى أظهر لنا كمال رأفته وعظيم رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته نحن نحب الإنسان متى إذا وجدناه بنا رحيماً ، وعلينا شفيقا ، ولنفعنا مبادراً ، ولعوننا مجتهداً .. أحببناه من أعماق قلوبنا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو في هذا الباب أعظم من رحمنا ورأف بنا ، وإن كان بيننا وبينه هذه القرون المتطاولة . قال تعالى : { لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم } .
ولو أردنا أن نذكر أمثلةً لذلك طال بنا المقام ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً كان يقول: ( لولا أن أشق على أمتي .. ) . وكم من الأحاديث الذي ورد فيها رقته ورحمته بأمته ، كما ورد في الحديث عن الذين جاءوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، يقول راوي الحديث : وكنا شبيبة متقاربين ، فمكثنا في المدينة نتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأى أنا قد اشتقنا لأهلنا - وكان أرحم بنا من أنفسنا - قال : ( ارجعوا إلى أهليكم ، وليؤمكم أكبركم ، وعلموا من ورائكم ) رحمة بهم . بل تعرفون كان إذا سمع بكاء الصبي يخفف من صلاته رأفةً وشفقةً على قلب أمه به ، وذلك من كمال رحمته وشفقته عليه الصلاة والسلام . ونحن نعلم مواقف كثيرة في يوم حنين يوم قسمت الغنائم ، ووجد بعض الأنصار في أنفسهم شيئاً ؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يقسّم لهم ، وقسّم للمؤلفة قلوبهم ، فلما جاءهم إلى مكانه ذكر لهم عليه الصلاة والسلام بعض فضله عليهم ، بما فضله الله عز وجل عليه قال : يا معشر الأنصار ما قالة بلغتني عنكم؟ ووجدة وجدتموها في أنفسكم؟ ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف بين قلوبكم ؟ قالوا: بل الله ورسوله أمن وأفضل، قال: ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟ قالوا: وبماذا نجيبك يا رسول الله، ولله ولرسوله المن والفضل؟ قال: أما والله لو شئتم لقلتم فلصَدقتم ولصُدقتم، أتيتنا مكذَّباً فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فواسيناك. أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت قوماً ليسلموا ؟ ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم في رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده إنه لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار . قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً وحظاً. ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا. وهذا من أعظم ما يظهر فيه كذلك أثر أوداع محبة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك كمال نصحه لأمته وعنايته على تعليمهم ، حتى قال الصحابة - كما روى بعضهم - في سنن أبي داود قال : ( علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة ) ، أي حتى قضاء الحاجة ، علم أمته كل شيء ، وكان عليه الصلاة والسلام لا يدع فرصةً إلا ويعلمهم ، ولا يدع فرصةً إلا ويقول : ليبلغ الشاهد الغائب ، حتى جئنا إلى أيامنا هذه وإلى ما بعدها ، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا نراه في يقظته ومنامه وحله وترحاله وسلمه وسفره ، بل نحن نعرف عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من سيرته أكثر مما نعرف عن أنفسنا .. لم يعرفوا منكم عن صغره من يعرف منكم حاله في نومه أو يقظته رصدت حياته صلى الله عليه وسلم ورصد لنا وصفه وشعره كم شعرةً بيضاء في لحيته كل ذلك في وصفٍ دقيقٍ بليغٍ ، حتى كأن كل شيءٍ في حياته كأنما ورد في وضح النهار وفي رابعة الشمس كما يقولون .وكذلك من دواعي المحبة خصائصه وخصاله العظيمة ، ويكفينا في ذلك قول الله عز وجل : { وإنك لعلى خلق عظيم } . وكم اجتمع فيه - عليه الصلاة والسلام - ما تفرق من وجوه الفضائل والأخلاق والمحاسن في الخلق كلهم ، فكان هو مجتمعه المحاسن عليه الصلاة والسلام ، وحسبنا ذلك في هذه الدواعي ، وإلا فالأمر كثير ؛ فإن الذين مالت قلوبهم ، وملئت حباً لرسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه ، إنما سبى قلوبهم ، واستمال أنفسهم بما كان عليه من الخلق وحسن المعاملة ، وكمال الرحمة ، وعظيم الشفقة ، وحسن القول إلى غير ذلك من ما هو معلوم من شمائله عليه الصلاة والسلام .
ahmed fawzy المراقبه العامه
عدد الرسائل : 1684العمر : 47رقم العضويه : 369دعاء : اعلام بلدك : الهوايه : الوظيفه : نقاط : 1909السٌّمعَة : 1تاريخ التسجيل : 22/06/2009
موضوع: رد: محبة النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة مارس 19, 2010 9:55 am
مظاهر المحبة وعلاماتها لأن لكل شيءٍ دليل ، ولكل إدعاءٍ برهان ، ولكل حقيقةٍ في الباطن أثرٌ وبرهانٌوصورةٌ في الظاهر . ومن هنا نذكر بعض هذه المعالم العظيمة المهمة من مظاهروعلامات محبة المصطفى صلى الله عليه وسلم . ومن أولها : محبته باتباعه والأخذبسنته صلى الله عليه وسلم تعصي الإله وأنت تزعم حبه **** هذا لعمري في القياسشنيع إن كان حبك صادقاً لأطعته **** إن المحب لمن يحب مطيع وكما قال ابنالجوزي مستشهدً بقول مجنون ليلى : إذا قيل للمجنون ليلى تريد **** أم الدنياوما في طواياها لقال غبار من تراب نعالها **** أحب إلى نفسي وأشفىلبلواها قال ابن الجوزي : " وهذا مذهب المحبين بلا خلاف ، فكل محبٍ يكون أدنىشيءٍ من محبوبة أعظم إليه من كل شيءٍ في دنياه ، فكان أدنى شيءٍ من الله ، ومنرسوله أعظم وأحب إلى كل مؤمن من كل شيءٍ في دنياه " . وحسبنا في ذلك ما جاء فيكتاب الله في قصة يوسف عليه السلام : { قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه } ،أحب السجن ؛ لأنه في مرضات الله وفي العصمة من معصية الله ، ولا أحد يحب السجنبظلمته وأسره وقيده ، لكنه كان محبوباً لقلبه لما كان في محبة ربه وسلامتهم منمعصيته .
وهكذا نجد النصوص تتضافر في ذلك ، استمع إلىهذا الحديث يرويه أنس رضي الله عنه - وأنس تعلمون أنه خدم رسول الله صلى الله عليهوسلم عشر سنين - عند الترمذي وقال عنه : حسن غريب . يقول : " خدمت رسول الله صلىالله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي قط لشيءٍ فعلته لما فعلته ،ولا لشيء لما أفعلهلما لا أفعله " ، كيف كان يأمره وينهاه وهو خادمه ؟ لو أردنا أن نفعل ذلك مع أحدٍمن خدمنا لا نستطيع أن نفعل ذلك ، ولو عشرة أيام وليس عشر سنوات . هذا أنس يقول : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبكغشاً لأحدٍ فافعل ) . ثم قال لي : ( يا بني وذلك من سنتي ، ومن أحيا سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة ) رواه الترمذي. معادلةً واضحة ، المحبة في هذاالإتباع ظاهرة
قال ابن رجب رحمه الله في جامع العلوموالحكم كلاماً جميلاً : " فمن أحب الله ورسوله محبةً صادقةً من قلبه ، أوجب له ذلكأن يحب بقلبه ما يحبه الله ورسوله ، ويكره ما يكره الله ورسوله ، ويرضى ما يرضىالله ورسوله ، ويسخط ما يسخط الله ورسوله ، وأن يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحبوالبغض ؛ فإن عمل بجوارحه شيئاً يخالف ذلك بأن ارتكب بعض ما يكرهه الله ورسوله ، أوترك بعض ما يحب الله ورسوله مع وجوبه والقدرة عليه ، دلّ ذلك على نقص محبته الواجبةفعليه أن يتوب من ذلك ، ويرجع إلى تكميل المحبة الواجبة " .
وهنا ملحوظة مهمة تتعلق بمن عصى أو قصر فيالواجب فهذا دليل – كما ذكر ابن رجب – على نقصان محبته ، لكنها لم تزل ! ولذلك بعضالناس يتعجب حينما يرى العاصي فيقول : إنه مبغض لرسول الله ، أو كاره لرسول الله ،تلك تهمة عظيمة وفرية كبيرة ! حسبكم في ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم في صحيحمسلم ، في الرجل الذي كان يشرب الخمر فأوتي به فجلد ، ثم شرب مرةً أخرى فأوتي بهفجلد ، ثم ثالثةً فأوتي به فجلد ، فقال رجل من الصحابة : لعنه الله ما أكثر ما يؤتىبه ! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا تلعنه ؛ فإنه يحب الله ورسوله ) أثبت لهم النبي المحبة مع وقوعه في كبيرة من الكبائر ، فلا تهجموا على الناسبنفي المحبة ؛ فإنها نفي إيمانٍ وإخراج من الملة ، إن كنت تقصد نزعها بالكليةوالعياذ بالله .
ثانياً : الإكثار من ذكره صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه لا شك أيها الاخوة أن من أحب إنساناً أكثر ذكره ، وأكثر من ذكر محاسنه ، فتجدبعض الناس إذا أحب إنساناً لا يجلس مجلساً إلا ويقول : " انظر ماذا فعل فلان .. قالكذا وكذا .. فلان جزاه الله خيراً .. فلان لا يمكن أن نقدر قدره .. " ، ونحن ينبغيأن نطيب ونعطر مجالسنا في كل وقتٍ وحينٍ بذكر مآثر النبي صلى الله عليه وسلم ،وسيرته وأحواله وشمائله ، وهذا ذكر هو الذي يهيج هذه المحبة ويبعثها ، وكثرة الصلاةعليه الصلاة والسلام تترك هذا المعنى { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيهاالذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } .
وفي ذلك امتثال لقوله عليه الصلاة والسلام : ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ، ثم صلوا عليّ ؛ فإن من صلى علي صلاة صلىالله عليه به عشرا ) . وحديث أُبّي بن كعب رضي الله عنه حينما قال : يارسولالله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي ؟ فقال: ماشئت، قلت الربع ؟ قال: " ماشئت ؛ فإن زدت فهو خير لك، قلت: النصف ؟ قال: ماشئت ؛ فإن زدت فهو خير لك، قلت: فالثلثين؟ قال: ماشئت ؛ فإن زدت فهو خير لك ، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذاًتُكفى همك ويغفر ذنبك . أخرجه الإمام أحمد في مسنده ، والترمذي في سننه ، وصححإسناده الحاكم في مستدركه ووافقه الذهبي . قال الشراح : كان أُبّي يقصد أن لهوردٌ من الدعاء دائم ، فكان يصلي فيه على النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن آدابالدعاء أن يقدّم بالحمد والثناء على الله ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم،فقال : كم أجعل لك من ذلك ؟ قال زد حتى لو كان الحمد والثناء والصلاة على رسولالله عليه الصلاة والسلام ؛ فإنه وإن قلّ الدعاء يكون فيها ما وعد به النبي صلىالله عليه وسلم : إذاً تكفى همّك ويغفر ذنبك " .
ثالثاً : تمني رؤيته والشوق إليه وقدكان ذلك في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم رأوه لكنهم إذا افتقدوه اشتاقواإليه ، وأتوا في ذلك من الأحوال ما سنذكره في وقفة خاصة ، لكن هذا الشوق شوق حقيقي، كلكم يعلم من كان يحب زوجته وأبنائه كيف يكون حاله إذا اغترب عنهم ؟ إذا أرادأن يخلد إلى نومه تجلّت له صورهم ، تذكر أحوالهم ، كأنما يسمع أصواتهم ترن في أذنيه، كأنما يراهم يتلاعبون ويتحركون بين يديه ، وما تزال زفراته تتابع ، وربما عبراتهتتوالى شوقاً إلى لقياهم ، فإذا التقى به ربما طاش عقله ، وربما تخلى عن وقاره فهفاإليهم معانقاً ومحباً ! تلك بعض مشاعر المحبة في درجةٍ دنيا وأعظم منها الدرجةلرسول الله صلى الله عليه وسلم في محبته . وقد قلنا لكم الحديث عند مسلم : ( منأشد الناس حباً ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رأني بأهله وماله ) .
وخذ هذه أيضاً الأمثلة والأحاديث من روايةأبو هريرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفس محمدً بيده ليأتينعلى أحدكم يوم لا يراني ، ثم لئن يراني معه أحب إليه من أهله وماله ) أوكما قال صلىالله عليه وسلم .
وهذا الحديث رواية من الروايات عند مسلمٍ فيصحيحه أن بلالاً رضي الله عنه يوم ذهب إلى بلاد الشام بعد وفاة النبي صلى الله عليهوسلم ، وكان بلال يقول : لم أطق أن أبقى في المدينة بعد وفاة الرسول صلى الله عليهوسلم ، وكان إذا أراد أن يؤذن إذا جاء بقوله : " أشهد أن محمداً رسول الله " تخنقهعبرته فيبكي رضي الله عنه وأرضاه ، فمضى إلى الشام وذهب مع المجاهدين ، ورجع بعدسنوات ، ثم دخل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحان وقت الأذان فأذن بلالفبكى وأبكى الصحابة بعد انقطاعٍ طويل غاب فيه صوت مؤذن رسول الله صلى الله عليهوسلم ، فتذكروا بلالاً وأذانه ، وتذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكانبلال رضي الله عنه عند وفاته تبكي زوجته بجواره ، فيقول : " لا تبكي غدً نلقىالأحبة محمداً وصحبه " ، فكان يشتاق للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو واحدمن المبشرين بالجنة كما ثبت ذلك في الحديث لما قال النبي صلى الله عليه وسلم : يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته عندك في الإسلام منفعة ؛ فإني سمعتالليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة ؟ قال بلال : ما عملت عملاً في الإسلامأرجى عندي منفعة من أني لا أتطهر طهوراً تاماً في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليتبذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي .
وهكذا روي عن حذيفه ابن اليمان وعن عمار بنياسر رضي الله عنهم أجمعين كلهم روى أو ذكر القاضي عياض في الشفاء أنهم قالوا : " غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه " . وهذا الشوق في حياة الصحابة يأتي ذكراً وطرففي صور محبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
رابعاً : محبة الكتاب الذي أنزل عليه ،والذي بلّغه لأمته فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد اختص بمعجزنه الخالدة إلىقيام الساعة ، وهي كلام الله - عز وجل - وكتابه العظيم كتاب الله الذي فيه الهدىوالنور ، لماذا ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في القرآن حال المرتحل ، مامعنى الحال المرتحل ؟ لا يختم حتى يبدأ ختمه جديدة ، وكان كما قالت عائشة : " خلقهالقرآن " ، وهو أعذب وأمتع من قرأ القرآن ، فمن أحب رسول الله صلى الله عليه وسلمأحب القرآن والتعلق به .
خامساً : محبة آل بيته صلى الله عليهوسلم ومن أصول أهل السنة والجماعة أنهم يحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليهوسلم ويتولونهم ، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم . روى زيد بنأرقم رضي الله عنه قال : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً فينا خطيباًبماءٍ بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكر ثم قال : ( ألا أيهاالناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهماكتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، ثم قال: وأهل بيتي اذكركم الله فيأهل بيتي ) . وآل بيته هم آل علي ، وآل عقيل ، وآل جعفرٍ ، وآل عباس هؤلاء حرمواالصدقة بعد النبي صلى الله عليه وسلم فهم آله ، والحديث أخرجه مسلم في صحيحهوالأحاديث في هذا كثيرة ، ولها دلالات عظيمة .
ولذلك ذكر أهل العلم في هذا المعنى أقوالًكثيرةً وقال ابن تيميه رحمه الله : وآل محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - هم الذينحرّمت عليهم الصدقة " ، وهكذا قال الشافعي وأحمد ابن حنبل وغيره من العلماء ،والأحاديث في فضله مبسوطة ، كما هو في نساء النبي في آله كما في قوله جل وعلا : {يانساء النبي لستن كأحدٍ من النساء } ، وكما في قوله : {النبي أولى من المؤمنين منأنفسهم وأزواجه أمهاتهم } ، وكما في قوله عز وجل : {ما كان لكم أن تؤذوا رسول اللهولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا } ، والأحاديث في فضائل أزواج النبي صلى اللهعليه وسلم ، وفي آل بيته عظيمة ؛ لأن الله عز وجل قال : { محمدً رسول الله والذينمعه أشداء على الكفار رحماء بينهم } .
وذكر الترضي على الصحابة ، فمن أحبالنبي عليه الصلاة والسلام أحب صحابته ، ومن أبغض أحداً من صحابته فقد كذب في حبهفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن أبغض بعضاً ً أو واحدةً من أزواج رسول اللهصلى الله عليه وسلم فقد كذب في محبة رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وأعظم علىالله وعلى رسوله الفرية ! وكان من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما رواه سعيدالخدري رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام : ( لا تسبوا أصحابي فوا الذي نفسيبيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه ) . وقال في حديثأنس الصحيح : ( آية الإيمان حب الأنصار ، وآية النفاق بغضهم ) ، فحب الصحابة وحب آلبيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فذلك من الإيمان ومن محبة النبي صلى الله عليه وسلم .
قال أبو زرعه الرازي في وصفه وكلامه على معتقد أهل السنة والجماعة : إذارأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلم أنه زنديق ،وذلك أن الرسول حق ، والقرآن حق ، وما جاء به حق ، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ؛ ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى وهمزنادقة .
وقال الخطيب البغدادي رحمه الله : " عدالة الصحابة ثابتة معلومةبتعديل الله لهم ، وإخباره عن طهارتهم ، واختياره لهم في نص القرآن ، ومن ذلكالآيات الكثيرة ، قال تعالى : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } إلى غيرها من الآيات " .
وقال ابن حجر : " اتفق أهل السنة على أنجميع الصحابة عدولٌ ، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذاً من المبتدعة " . وقال صاحبالعقيدة الطحاوية رحمه الله : " ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولانفرط في حب أحد منهم ، ولا نتبرأ بأحدٍ منهم ، ونبغض من أبغضهم وبغير الحق يذكرهم ،ولا نذكرهم إلا بخير ، وحبهم دين وإحسان ، وبغضهم كفر وطغيان " .فهذا من علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم الظاهرة البينة ، وهي مما ينبغي أن يكون معلوماً ومعروفاً ، والأمر في ذلك كثير وعظيم .
ahmed fawzy المراقبه العامه
عدد الرسائل : 1684العمر : 47رقم العضويه : 369دعاء : اعلام بلدك : الهوايه : الوظيفه : نقاط : 1909السٌّمعَة : 1تاريخ التسجيل : 22/06/2009
موضوع: رد: محبة النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة مارس 19, 2010 9:57 am
الأسباب الجالبة لمحبة النبي صلى الله عليهوسلم الطريق الذي يعيننا الوسائل التي تقربنا الأعمال التي تذكرنا بهذه المحبةلرسول الله صلى الله عليه وسلم . أولها : تعظيم محبة الله كلما ازددت صلةًبالله كلما ذكرك ذلك بحب رسول الله لماذا ؟ ما هي صلتك بالله ؟ ستقرأ القرآن نستصلي الصلاة ، ستؤدي زكاة ، ستخرج مالاً وصدقة .. كل فعلٍ من محبتك وصلتك باللهسيذكرك بتعظيم قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذاً أنت له متابع وموافق . فهذا يهيج على ذلك تقديم محبة النبي صلى الله عليه وسلم على هوى النفس ، وراحةالبدن .. عندما تسمع " الصلاة خير من النوم " ، والفراش لذيذ ، والهواء بارد ،والجسم متعب ، أين انبعاثك لتكون مع الذين بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( بشر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة ) ؟ وتذكر أحوالالنبي صلى الله عليه وسلم في حرصه على أمته ورأفته بهم ودوام ذكر سيرته .
ثانياً : قراءة سيرة صلى الله عليه وسلم اقرأوا السيرة - أيها الأحبة - صباح مساء .. علموها أبنائكم ، كما قال السلف : " كانوا يعلموننا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعلموننا الآية من القرآن " . أين سيرة النبي في بيوتنا ؟ أين هي عن أبنائنا ؟ أين أحواله عليه الصلاةوالسلام في سائر تقلبات حياته من أن نسمعها صباحاً ومساءً ؟
إن بعض أجيالنا اليوم قد يعرفون عن سقطةالناس وسفلتهم من الممثلين أو الممثلات أكثر ما يعرفون من أحوال رسول الله صلى اللهعليه وسلم وصحابته الكرام ! كيف نعظم محبة النبي صلى الله عليه وسلم ونحن لا ذكرسيرته ؟ حتى نرى هذه العظمة ، ونرى تلك الرحمة ، ونرى تلك النعمة التي منّ الله بناعلينا ببعثته ونبوته صلى الله عليه وسلم .
ثالثاً : تذكر الأجر العاجل في الدنياوالآجل في الآخرة بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم .
رابعاً : تولى الصحابة رضوان الله عليهموالأكثار من ذكر سيرتهم فكلما عظمنا الصحابة وذكرنا شيئاً من سيرتهم ؛ فإنماذلك يدلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ كلهم من رسول الله ملتمس ، وكلهممن نوره - عليه الصلاة والسلام -مقتبس .
خامساً : تعظيم السنة النبوية والآثارالمصطفويه حتى إذا قيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون منك ما كان منالصحابة .. يقول الراوي - وسيأتينا حديث عن هذا في محاضرة أخرى في عظمة قدر النبيصلى الله عليه وسلم - : كانوا إذا قيل : قال النبي صلى الله عليه وسلم : اشرأبتالأعناق ، وشخصت الأبصار ، وأصغت الأسماع .. لا انصراف ولا التفات ولا تحرك ، بلاحترام وتقدير وإجلال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذاك ما سيأتي لنا عنه حديث .
سادساً : إجلال المحبين للسنة والعاملين بها هو أيضاً مما يذكرناويقربنا من محبة النبي صلى الله عليه وسلم .. كل محدّثٍ ، وكل عاملٍ بسنه ، وكلملتزمٍ للسنة نحبه ؛ لأنه يذكرنا برسول الله صلى الله عليه وسلم . وليس كمايحصل اليوم نرى من يلتزم بالسنة في بعض الهيئات وصف بأنه متشدد ، وقد يفرّ الناسمنه لقصر في ثوبه أو نحو ذلك .. سبحانه الله ! كيف تقلبت الظروف ؟ كلما رأينامن يتبع السنة ؛ فإنما نرى صورة تذكرنا بحديث الرسول ، وبسنة الرسول ، وفعل الرسولفيكون ذلك عوناً لنا على محبة النبي صلى الله عليه وسلم .
سابعاً : الذبّعن السنة والدفاع عنها فكم - وللأسف الشديد - من عدوان يعتدى فيه على ذاتالرسول عليه الصلاة والسلام من مسلمين وغير مسلمين ، وكثيراً مالا تجد أحداً يذب عنذلك ويرد عنه !
مواقف المحبين وليس هناك أكثر محبةً ولاأصدق ولا أعظم محبةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم من صحابته .. خذوا هذه المواقف، وكل واحدٍ منها حري بنا أن نعيده ، وأن نكرره ، وأن نحفظه ، وأن نتذكره ؛ لنرىكيف كانت محبة القوم رضوان الله عليهم . هذا عمرو بن العاص يقول مخبراً عن نفسه : " ما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه ،وما كنت أطيق أن أملئ عيني منه إجلالاً له ، ولو سوئلت أن أصفه ما أطقت ؛ لأني لمأكن أملأ عيني منه " من هيبته لم يكن يستطيع أن يتأمل في وجه النبي صلى اللهعليه وسلم ، ومن محبته كان يتوق إليه ويشتاق .
خذوا هذا الوصف من ابن عمه وزوج ابنتهوالفصيح البليغ علي ابن أبي طالب حينما سئل : كيف كان حبكم لرسول الله صلى اللهعليه وسلم ؟ قال : كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ، ومنالماء البارد على الظمأ " وهذا من مآثر الصحابة رضوان الله عليهم .
وحسن أولئك رفيقاً روى الشعبي والحديثبطرقه حسنه أهل العلم : أن رجلاً من الأنصار جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلموقال : يا رسول الله لأنت أحب إلي من نفسي وولدي وأهلي ومالي ، ولولا أني آتيكفأراك لظننت أني سأموت ! أي أنت أحب إلي ولئن هناك فرصة فآتي فأراك فتسكن نفسي ،ولو كنت أتصور أني لا أراك سأموت . ثم بكى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما أبكاك ؟ قال : ذكرت يا رسول الله أنك ستموت فترفع مع النبيين ، ونحن إذا دخلناالجنة كنا دونك ! أي لن أراك في الجنة ، فلم يخبرهم بشيء حتى نزل قوله عز وجل :{ومنيطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداءوالصالحين وحسن أولئك رفيقاً } ، فبشره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يكون معه مادام قد أحبه .
كل مصيبة بعدك جلل ومن أعظم هذه المواقف : لما كان يومأحد وأشيع مقتل النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى كثرت الصوارخ في ناحية المدينة ،فخرجت امرأة من الأنصار فاستقبلت بخبرموت بأبيها وابنها وزوجها وأخيها يعني كلهمماتوا واستشهدوا - رضوان الله عليهم - ، فكلما مرت على أحدهم قالت : من هذا ؟ قالواأبوك .. أخوك .. زوجك .. ابنك .. وهي تقول : ما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون : أمامك ! وهي تمضي - تركت الزوج والابن والأخ والأب - لم تقف ، ما زالتتمضي ، فلما رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أخذت بثوبه ثم قالت : بأبي أنتوأمي يا رسول الله لا أبالي إذا سلمت من عطب .
وفي روايةٍ أخرى لسعد ابن أبي وقاص في قصةهذه المرأة قالت: ما فعل رسول الله ؟ قال بخير يا أم فلان - هو بحمد الله كما تحبيه - قالت : أرونيه حتى أنظر إليه ، فأشير لها إليه، حتى إذا رأته قالت : كل مصيبةٍبعدكجلل ، أي هينة .
محبة الصدّيق وأبو بكرٍ - رضي الله عنه - في مكة ،يوم اجتمع كفار قريش يريدون أن يضربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء أبوبكرٍ يدافع عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فتركوا الرسول وتوجهوا إلى أبي بكروضربوه بنعالهم ، قال ابن هشام : وحرفوا نعالهم في وجهه حتى سقط مغشياً عليه ، مايعرف وجهه من أنفه - أي من شدة التورم - قال ثم حمل ما يشك في موته أحد - من شدة مالقي من الضر - قال : فلما أفاق كان أول ما قال : ما فعل رسول الله صلى الله عليهوسلم ؟ قالوا : هو بخيرٍ كما تحب ! قال : حتى أراه ، فحمل يهادى بين رجلين ، فلمارأى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تهلل وجهه وفرح رضي الله عنه وأرضاه . وهذا من مواقف الحب الصادق لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
ما أحب أنتصيبه شوكة ومن هذه المواقف العظيمة ما كان من قصة زيد بن الدثنه رضي الله عنهالذي أسره أهل مكة ثم خرجوا به ليصلبوه فقال له أبو سفيان - كان إذ ذاك على كفره - : أتحب أن محمداً مكانك وأنت في أهلك وولدك ؟ أنت الذي اتبعت محمداً صلى الله عليهوسلم ، فجاءك هذا الموقف ، والآن ستصلب فهل تحب أن يكون محمد مكانك ، وأنت في أهلكوولدك ؟ فماذا كان الجواب ؟ قال : والله ما أحب أن يشاك محمد صلى الله عليهوسلم بشوكةٍ وأنا آمن في أهلي وولدي . فقال أبو سفيان : ما رأيت أحداً يحب أحداًكحب أصحاب محمدٍ محمداً - صلى الله عليه وسلم - !!
وهناك مواقف كثيرة لا بد من ذكرها لبعضالسلف من التابعين لنعرف أن هذه المحبة هي كما قلنا جوهر إيماننا وأساس من أسسإسلامنا .. هذا مالك ابن أنسٍ يقول عن أيوب السختياني - رحمه الله - : ما حدثتكمعن أحدٍ إلا وأيوب أوثق منه - أي في مكانه عالية - قال مالك : وحج حجتين ، وحججتمعهم ، فكنت أرمقه ولا أسمع منه - أي لا يسمع منه الحديث - قال : غير أنه كان إذاذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى أرحمه ! فلما رأيت منه ما رأيت وإجلاله للنبيصلى الله عليه وسلم كتبت عنه - أي أخذ عنه الحديث - لما رأى من إجلاله ، وفعل محبتهوتأثره بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهذا مصعب بن عبد الله يروي عنمالك يقول : كان مالك إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يتغير لونه وينتحني حتىيصعب ذلك على جلسائه - أي يشفقون عليه - فقيل له يوماً في ذلك! فقال : لو رأيتم مارأيت لما أنكرتم علي ما ترون . وذكر الإمام مالك عن محمد بن المنكدر - من أئمةالتابعين وكان سيد القراء – قال : لا نكاد نسأله عن حديثٍ أبداً إلا يبكي حتى نرحمهرحمه الله .
والحسن البصري جاءنا بمثلٍ جميل - وهذا باب ضاق المقام عن أنأذكره لكم - حب الجمادات لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أحد جبل نحبنا ونحبه ) .. الجذع الذي كان يخطب النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه ، فلما بني المنبر طلعيخطب على المنبر ، فإذا الجدع يحنّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسمع لهالناس حنيناً ، فنزل النبي من على المنبر فوضع يده على الجدع فسكنه فسكن . كانالحسن البصري - رحمه الله - إذا ذكر حنين الجذع وبكائه يقول : " يا معشر المسلمينالخشبة تحنّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقاً إلى لقائه ، فأنتم أحق أنتشتاقوا إليه !" .
ويقول بعض السلف : كنت آتي صفوان بن سليم - وكان منالمتعبدين المجتهدين - فإذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى ، فلا يزال يبكي حتىيقوم عنه الناس ويتركوه . وهذا كما قلت باب واسع عظيم فيه مآثر ، أختمها بهذهالقصة وأذكرها بطولها ، ذكرها الذهبي رحمه الله في " سير أعلام النبلاء " وهيجميلةٌ رائعة ، والذهبي إمام من أهل السنة ، وجهبذ من جهابذة النقد من أئمة الجرحوالتعديل ، لا يقول كلاماً عاطفياً دون أن يكون له الأساس والعلم ، يقول في ترجمةعبيدة بن عمر السلماني - من التابعين من أصحاب علي ابن أبي طالب رضي الله عنه – يقول : قال محمد : قلت لعبيدة : إن عندنا من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلمشيئاً من قِبل أنس بن مالك ، فقال : لئن يكون عندي منه شعرة أحب إلي من كل صفراءوبيضاء على ظهر الأرض . أي أحب إلي من كل ذهبٍ وفضةٍ في الأرض ، قال الذهبي : " قلت : هذا القول من عبيدة هو معيار كمال الحب ، وهو أن يؤثر شعرةً نبوية على كلذهبٍ وفضةٍ بأيدي الناس . ومثل هذا يقوله هذا الإمام بعد النبي صلى الله عليهوسلم بخمسين سنة ، فما الذي نقوله نحن في وقتنا لو وجدنا بعض شعرٍه بإسنادٍ ثابت ،أو شسع نعلٍ كان له ، أو قلامة ظفرٍ ،أو شقفة من إناء شرب فيه ، فلو بذل الغني معظمأمواله في تحصيل شيء في ذلك عنده أكنت تعده مبذراًً أو سفيهاًً ؟ كلا ! فابذلمالَكَ في زورة مسجده الذي بنى فيه بيده ، والسلام عليه عند حجرته في بلده ، والتذّبالنظر إلى أُحُده وأحبّه ، فقد كان نبيك صلى الله عليه وسلم يحبه ، وتملأبالحلولِ في روضته ومقعده ، فلن تكون مؤمناً حتى يكون هذا السيد أحب إليك من نفسكوولدك وأموالك والناس كلهم ، وقبّل حجراً مكرماً نزل من الجنة ، وضَع فَمَك لاثماًمكاناً قبّله سيد البشر بيقين ، فهنأك الله بما أعطاك ، فما فوق ذلك مفخر . ولوظفرنا بالمحجن الذي أشار به الرسول صلى الله عله وسلم إلى الحَجَر ثم قبّل محجنه،لحُقّ لنا أن نزدحم على ذلك المحجن بالتقبيل والتبجيل ، ونحن ندري بالضرورة أنتقبيل الحجر أرفع وأفضل من تقبيل محجنه ونعله . وقد كان ثابت البناني إذا رأىأنس بن مالك أخذ يده فقبلها ، ويقول : يدٌ مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم،فنقول نحن إذ فاتنا ذلك : حجرٌ معظّم بمنزلة يمين الله في الأرض ، مسّته شفتانبينا صلى الله عليه وسلم لاثماً له ، فإذا فاتك الحج وتلقيت الوفد فالتزم الحاجوقبل فمه وقل : فمٌ مسّ بتقبيل حجراً قبّله خليلي صلى الله عليه وسلم " .
وهذا من نفائس القول لأئمتنا وعلمائنا رحمةالله عليهم ورضوان الله عليهم أجمعين ، والباب في هذا يطول كما ذكرت .
ahmed fawzy المراقبه العامه
عدد الرسائل : 1684العمر : 47رقم العضويه : 369دعاء : اعلام بلدك : الهوايه : الوظيفه : نقاط : 1909السٌّمعَة : 1تاريخ التسجيل : 22/06/2009
موضوع: رد: محبة النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة مارس 19, 2010 9:57 am
ثمار المحبة يكفينا فيها ثمرتان : أنهذه المحبة في الدنيا عون على الطاعة ، والإكثار من العبادة ، وخفة ذلك على النفسوإقبال الروح على مزيدٍ من الطاعات . وأما في الآخرة فحسب المحبة أن تكون نجاتهمن النار ، ولحوقاً برسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال : ( المرء مع من أحب ) ، وفي الدنيا كذلك إعانة على هذه الطاعات ؛ لأنه كما قال النبي عليه الصلاة والسلامفي شأن محبة الله وموافقة رسوله في الحديث القدسي : ( كنت يده التي يبطش بها ،ورجله التي يمشي عليها ... ) إلى آخر ما هو معلوم .
وقفة أخيرة أيها الاخوة الأحبة : محبةالنبي صلى الله عليه وسلم بين الغلو والجفاء هذه المحبة التي قلناها ما بالبعضنا يفسدها بغلوٍ يخرج عن حد الاعتدال ، أو جفاءٍ يبتعد فيه المسلم عن حق رسولالله صلى الله عليه وسلم في تعظيم محبته عليه الصلاة والسلام ؟ الأمر في هذايطول كثيراً ، والخلاف والخروج عن مقتضى سنته ، ومقتضى محبته في هذا الباب كثير ،وخير الأمور أوسطها .. الغلو خرج به قوم إلى صورٍ كثيرة لا تخفى عليكم من حيثالواقع ، ولكني أذكرها من حيث المنهج والمبدأ .
من يجعل المدح مدخلاً لذكر ما هو خاص مستحقلله عز وجل لا يجوز أن يشاركه فيه غيره ، ولا أن يوصف به غيره ، ولو كان هذا هورسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يُدعى رسول الله عليه الصلاة والسلام ما هو منحق الله ، وخصائص الله سبحانه وتعالى ، وهذا يأباه النبي صلى الله عليه وسلم ! وقد علّمه للناس في وقته وفي زمانه ، كما قال : ( لا تقل : ما شاء الله وشئت ،ولكن قل : ما شاء الله ثم شئت ) بعضهم يقولون لك هذه الألفاظ تعبير عن المشاعر ،ولا نقصد بها عين الألفاظ ! نقول : سبحان الله ! هل أنتم أعلم أو أحكم من رسول اللهعليه الصلاة والسلام ؟ لِمَ ترك التنبيه على الألفاظ إذا كانت ليست مؤثرة ، وليستبذات تأثيرٍ في النفس ، وتأثير في الفكر والعقل !! وكان الصحابة يحبون النبي صلىالله عليه وسلم ويثنون عليه ، وهو يقول عن نفسه : ( أنا سيد ولد آدم ولا فخر ) ،ولكنه يقول : ( لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح بن مريم ) كيف أطروه ؟ قالوا : هو الله ! خرجوا به عن حد بشريته ، وخرجوا به عن حد نبوته ، وعن حد تعظيمه الذييناسب مقامه ومكانه ، فهذا غلو ليس مطلوباً بحال .
وضرب آخر من الغلو وهو : الإتيان بالمخالفات - عملية وفعلية - لسنة وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعاءللمحبة ، أو في أوقات وأفعال وأحوالٍ تُدعى فيه محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالاجتماع لمحبته مع وجود الاختلاط ، أو وجود ما هو مذموم من الغناء والخروج عنحد الاعتدال أو ما هو مذموم من ادعاء أمورٍ الغيبية من حلول روحه ، أو من تجسدروحه ، أو من رؤيته ، ونحو ذلك .. وهذه الأمور التي لا تثبت ، بل يثبت في عمومالأدلة وبعض الأحوال في خصوصها من يناقضها ويعارضها ، حتى هذا الادعاء ليس له دليل، وليس له حجة .
ثم أمر ثالث أيضاً في هذا الغلو وهو : الإدعاء والاختراعلأمورٍ وأقوال وأحوال لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . النبي عليهالصلاة والسلام علمنا الصلاة عليه ، ووردت لنا في أحاديثه صيغ كثيرةٍ من الصلوات ،وهناك صيغ فيها إطلاق للصلاة عليه والسلام مثل : " الصلاة عليه عدد قطر الأمطار " ومثلها لا بأس ، ولكن أن نخصص صلوات معينة ، لابد أن تحفظ ، وأن تذكر بعددٍ منالمرات ، من أين لنا هذا ؟ ومن أين لنا أن نوجب على الناس ، أو أن نسنّ لهم ، أو أننشرّع لهم ما لم يشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكلامه أوثق وأقوى ، وهوالذي أوتي جوامع الكلم عليه الصلاة والسلام .
ونجد كذلك هناك ادعاءات كثيرة فيما يتعلقبالأقوال والأحاديث ، بعضها ضعيف ، وبعضها موضوع ، وبعضها لا يثبت ، ومع ذلك كل هذايقال وينسب لرسول صلى الله عليه وسلم بادعاء الرغبة في المحبة ! أو التحليل ، وهذاكله خارج حد الاعتدال .
ويمكن أن نقول هناك تنبيهان أساسيان في هذا : أولهما : أنه يجب على المسلم المعظم المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنيفرق بين ما هو حق لله عز وجل لا يجوز أن يوصف ، ولا أن ينسب لأحدٍ إلا لله عز وجل، وبين ما هو حق لرسوله صلى الله عليه وسلم وتعظيم له ، فالالتجاء وطلب كشف الضراءوغير ذلك أثبته النبي صلى الله عليه وسلم لله عز وجل ، وبين في نصوص القرآن أصل مايدل على ذلك .
والأمر الثاني : التفريق بين صور التعظيمالمشروع - أو الداخل في دائرة المشروع – وبين ما هو معلوم وظاهر أنه يخالف هدي وسنهرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأما الجفاء فكذلك إن كنا ننكر الغلو ونحذرمنه فكذلك الجفاء كثيراً أو بعضاً من الناس في قلبه شيء من الجفاء ، ولا يذكر النبيصلى الله عليه وسلم كثيراً ، ولا يصلي على رسول الله على الصلاة والسلام إذا ذكر ،وإذا ذكر مرة صلى ، فإذا تكرر ذكره ثانيةً أو ثالثةً لم يصلي ! كأن الصلاة تشق عليهأو تثقل على لسانه ! هذه مسائل خطيرة ، وهذه الصور من الجفاء - حتى بترك زيارةمسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، أو ترك السلام على رسول الله عليه الصلاة والسلام - وبترك التعلق بسنته ونحو ذلك كثيرٌ من الصور يمكن أن نذكر بعضاً منها صور جفاءمنها : البعد عن السنة باطناً وظاهراً ، ترك سنن النبي عليه الصلاة والسلام ضربٌ منالجفاء ، ومجانبة لمحبته عليه الصلاة والسلام .
ولذلك - أيها الاخوة الأحبة - ليست المحبةالادعاء ؛ فكثير من أحوالنا ظاهراً وباطناً فيها مخالفة للرسول ، فكيف لا نشعر أنهذا نقص ؟ إن في هذا نقص لمحبتنا رسول الله عليه الصلاة والسلام . أيضاً الموقفمن السنة والأحاديث الثابتة ، كردّ الأحاديث الصحيحة ضرب كبير من الجفاء ، وقد أخبرالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( ألا يوشك رجلٌ شبعان متكئٌ على أريكته يقول : الحلال ما أحله الله ، والحرام ما حرمه الله - أي ليس هناك مكان أو اعتبار لسنةالرسول صلى الله عليه وسلم - ألا إنما أحلّ رسول الله كما أحل الله ، وإنما حرّمرسول الله كما حرم الله ) .
ثم كذلك نرى الآن كثير من الناس يتحدثون بموجبمقتضيات عقولهم ، يقول لك : نعم هذا حديث ! لكن هذا لا يعقل ، وهذا لا يصلح في هذاالزمان ! هذا كله ضربٌ من المخاطر العظيمة في شأن المحبة ، بل في شأن الإيمان بنبوةالرسول صلى الله عليه وسلم . العدول عن سيرته .. عدم الهيبة والتعظيم والإجلالعند ذكره أو ذكر حديثه .. وهذا باب طويل كما قلت سيأتينا ذكر له إن شاء الله تعالى . ولذلك نزل قول الله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوتالنبي } . وعرف الصحابة ذلك ، فكان موقف ثابت بن قيس أن اعتزل مجلس النبي عليهالصلاة والسلام ؛ لأنه جهوري الصوت . و موقف عمر بن الخطاب حينما رأى رجلين جلساإلى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم بجوار قبره ، ورفعا أصواتهما : " لولا أنكما منغير أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً " ، ثم قال : اخفضا صوتكما ؛ فإن حرمته حياًكحرمته ميتاً عليه الصلاة والسلام .
من هذا الجفاء كذلك : هجر السننالمكانية بأن نهجر زيارة مسجده ، وزيارة مسجد قباء ، والأماكن الذي كان يتنقلفيها الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ لعل قدماً توافق قدماً ، أو جبهةً توافق جبهة ،وتستشعر وأنت في الروضة ، وأنت في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنت في أحد كلسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، تحيي في قلبك هذه المعاني .
فما بال كثيرٍ منا - والأمر متيسر - ربماتمر لا أقول عام بل أعوام كثيرة ، بل وجدت أمراً لا يتصور ! وجدت شباباً فيالجامعات لم يذهبوا إلى المدينة مطلقاً - وهم من أهل هذه البلاد - بل يرو مسجده ،ولم يزوروا قبره ،ولم يصلوا في روضته ، ولم يشهدوا قباء ، ولم يرو أُحداً !! كيفيكون هذا ؟ والناس يضربون - لا نقول أكباد الإبل - وإنما يطيرون بالطائرات مسافاتواسعة لحج بيت الله الحرام ، وزيارة مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام ، والسلامعليه بقبره عليه الصلاة والسلام . مسائل مهمة كذلك لا ينبغي أن يكون عندنا هذاالجفاء ، وبعض الناس عنده نقطة مهمة جداً ، وهي الحساسية المفرطة من ذكر أمر النبيعليه الصلاة والسلام والصلاة عليه ، وذكر مآثره ، وذكر ما ثبت في تعظيمه . يقول لنا : لا نريد هذه المبالغة حتى نسد باب الذرائع !
أخي ليس ذلك كذلك ! تعظيم النبي عليه الصلاةوالسلام واجب ، ومحبته واجبة ، وما دام ذلك قد ثبت في الأحاديث وفي سنه النبي صلىالله عليه وسلم ، في معجزاته تفجر الماء من بين يديه ، وانشقاق القمر ، وفي خصائصهوشمائله لكثيرة المأثورة المذكورة المنشورة التي امتلأت بها صحاح كتب السنة . لماذا لا نعظم الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ لماذا لا نثير هذه السيرة والمواقف؛ لتكون المحبة أعظم في القلوب ؟ ليس هناك من حرج ولكن حساسية ، وإن كان هناك منيغلو أو يجنح فلا يدفعنا ذلك إلى أن نسد أو نوقف هذه ، أو نمنع هذه الأحاديثوالأحوال بحجة سد باب الذريعة . كلا ! فما ثبت لا بد أن يقال وأن يعاد وأن يعلمويشهر ، وأن يذكر ؛ حتى يكون مقام النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته على الوجه الذيأراده الله عز وجل لنا ، وأراده لنا رسوله صلى الله عليه وسلم .
من أعظمالهجر والجفاء لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم : الابتداع كل مبتدعٍ يتلبسبدعةً يخالف فيها سنة النبي صلى الله عليه وسلم فهو ضرب من الجفاء ، كأن الرسول صلىالله عليه وسلم يقول له أفعل كذا ، وهو يفعل غيره ونقيضه ! وهذا أمرٌ عظيمٌ جداً .
من أهم الأمور في الجفاء : ترك الصلاة عليهصلى الله عليه وسلم وكذلك : عدم معرفة قدر الصحابة وذمهم كيف تدعي حبّالرسول صلى الله عليه وسلم ثم تذمّ أصحابه الذين كانوا عن يمينه وعن يساره ، الذينفدوه بأرواحهم ، وجعلوا صدورهم دروعاً تتلقى السهام ؛ ليجودوا عن رسول الله عليهالصلاة والسلام ؟ كيف يمكن لأحدٍ أن يدعي المحبة وهو يذمّ أو يتهم أو يشنع علىأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين ؟ كل هذا ضرب من الهجرانوالجفاء المبغوض المذموم ، الذي هو من أشد وأفظع ما يرتكبه مسلم في بعده عن دينالله عز وجل ، وعن مقتضى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
من الجفاء : عدم العناية بالسيرة النبوية وعدم معرفة الخصائص والخصال أحبتي الكرام : خصالالنبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه عظيمة جداً ، أكثرها لا يعرفها الناس ، ولايقرؤونه ، ولا يعرفون أحاديثه الثابتة ، حتى الأمور المادية كالمعجزات المادية ، منالمهم أن نذكرها كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمع تسبيح الحصى ، وقال - كما فيصحيح مسلم - : ( إني لأعرف حجراً كان يسلّم عليّ بمكة ) ، هذا قبل بعثته قد ثبتت بهالأحاديث ، وهناك فصل كامل في محبة الجمادات لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكماقال العلماء هي محبة حقيقية لا نعرف كنهها .. ( أُحُد جبل يحبنا ونحبه ) والجذع كماقلنا في ذلك سابقاً .
فينبغي لنا أن ننتبه لهذا وأن نكون في هذاالميدان الوسط ، ميدان بعد عن الغلو وخروجٍ عن حد الاعتدال وبعد كذلك عن الجفاء ،والقيام بما ينبغي لرسول الله عليه الصلاة والسلام من محبةٍ وإجلال .
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعظم محبة رسولهفي قلوبنا ، وأن يجعل محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم عندنا من محبةأنفسنا وأهلنا وآبائنا وأمهاتنا وأزواجنا وبناتنا ، وأن يجعل محبة رسول الله صلىالله عليه وسلم طمأنينة قلوبنا ، وانشراح صدورنا ، وأن يجعل محبته عوناً لنا علىطاعة الله عز وجل ، وحسن الصلة به ، إنه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه .